منهجية و تقنيات تنشيط أندية التربية على المواطنة و حقوق الإنسان -3-
1- مقاربة التنشيط و مراحلها و تقنياتها
أ- يتم اعتماد المقاربة التجريبية في
التنشيط، التي تعني التعلم انطلاقا من التجربة، وتسعى إلى تحقيق
هذا التعلم من خلال التركيز على المكوَّن و جعله مشاركا في تحمل المسؤولية و
مساهما في اتخاذ القرارات القابلة للتنفيذ في وضعيات ملموسة .
قراءة هذا التعريف تحيلنا على المفاهيم
الأساسية التالية:
1– التجربة: بمعنى
الخبرة التي راكمها الإنسان عبر مسار
حياته ، حيث تغدو هذه الخبرة في حد ذاتها قاعدة و منطلقا أساسيا للتعلم
، عندما يتعلق الأمر باستحضار التجربة في مجالات الكرامة و المساواة والحرية فإن
المكون كثيرا ما يجد نفسه أمام إمكانيات الذات و الوضع الخارجي و تفاعل أبعادهما و
حول واقع هذه الأبعاد الحقوقية و علاقته بها من خلال مسار حياته .بمعنى أن توظيف
التجربة في هذا المجال بقدر ما يعتبر مناسبة للتعبير عن الرأي و الخبرات في ميدان
الكرامة و المساواة و الحرية بقدر ما يستطيع الإسهام في بناء رؤى و استراتيجيات
عملية لتفعيل هذه الحقوق و الدفاع عنها .
2 – المسؤولية: باعتبارها
ليست فقط ذات طابع مؤسسي أو رسمي بل باعتبارها أساسا
التزاما أخلاقيا يقتضيه الفعل الاجتماعي و شرط التفاعل الإنساني .فبقدر ما يعتبر
المكون نفسه مسئولا في إطار عملية التكوين بقدر ما يجد نفسه مسئولا أمام قضايا
الكرامة ، المساواة ، والحرية .
3 – اتخاذ القرارات: لقد دأبنا على اعتبار أن عملية اتخاذ القرارات
من مهام طرف دون الآخر ، خاصة عندما يكون هذا الطرف صاحب نفوذ معين ، ومن مهام
الطرف الآخر الانصياع و الطاعة ويعمل التصور البيداغوجي التقليدي سواء بكيفية
واعية أو غير واعية ، على تعميق و تكريس هذا الفهم كما لو أنه معطى علمي حقيقي أو
فعل اجتماعي مشروع في حين نجد الأمر عكس ذلك .
فالمقاربة التجريبية
تؤمن بأن المكون أيضا فاعل أساسي ليس فقط في البناء بل أيضا في اتخاذ القرارات
للتأثير على مجريات الحياة الاجتماعية . عندما نجد أنفسنا أمام مفاهيم حقوقية من
قبيل الكرامة و الحرية والمساواة ، فإن المسألة لا تتعلق فقط بالإدراك المعرفي و
العقلي لها ، بل كذلك باتخاذ قرارات تجاهها .
4 – الوضعيات الملموسة: إضافة إلى ما تقدم ، تهتم هذه المقاربة بضرورة
ربط التأمل الفكري بالتطبيق و الممارسة
اليومية و ذلك في علاقة جدلية ، فالنظرية أو المعرفة التي لا تنتهي إلى الفعل أو
إلى تغييرات في السلوك تبقى مجرد معرفة أو نظرية جوفاء ، أي أن مفاهيم الكرامة و
المساواة والحرية لا تأخذ بعدها الثقافي و العلمي إلا بعد أن تتجلى وتتمظهر في
العلاقات الاجتماعية ، فما نشكو منه اليوم هو كيف يمكن تحويل ثقافة حقوق الإنسان
من مجرد كونها أفكارا إلى ممارسة ميدانية ملموسة .
5 – تركيز التعليم على المكوَّن: أي قلب
المعادلة الكلاسيكية التي تقوم على المكوِّن باعتباره ممثل للسلطة المعرفية و
المالك للحقيقة ، مما يسمح له بتبرير التسلط و الهيمنة على أنهما آليات مشروعة لتشكيل
شخصية المكون على شاكلة و مزاج المهيمن أو المنشط إلى معادلة يعدو فيها المستهدف
من التكوين شخصية و كيانا قائم الذات يستحق الاعتراف و التقدير ، وقادرا على
البناء و الإبداع ، وفي نفس الوقت اعتبار التفاعل الواعي بين طرفي المعادلة أساسيا
في إنتاج الحقائق المعرفية و استراتيجيات الفعل.
ب - المراحل
1) التجربة
تمثل المرحلة الأولى التي تمدنا
بمختلف المعطيات حول التعلم التجريبي، إذ يكون المكون في وضعية القيام بإنجاز مهام
معينة من خلال دراسة الحالة ، لعب الأدوار – اللعب – مشاهدة شريط – أعمال تطبيقية –
ملء استمارة حول موضوع معين...
2) التأمل
تتأسس هذه
المرحلة حول القضايا و الأنشطة التي كانت موضوع المرحلة الأولى " التجربة
" حيث يطالب المكون بالتأمل و إعمال فكره حول تلك الأنشطة بواسطة تبادل
الآراء و التوافق . إما بكيفية فردية أو عن طريق المجموعات الصغيرة أو عن طريق
المجموعة الكبرى ، أي جميع الأفراد المستهدفين من التكوين . وتنتهي هذه المرحلة
بتسجيل الدلالات و المعاني التي يمكن إعطاؤها لمختلف أنشطة التجربة .
3 – التعميم : يعمل المكونون في هذه المرحلة على بسط النتائج المتوصل إليها
في المرحلة الثانية على وضعيات ملحوظة أو بناء خطاطات نظرية معينة ، بمعنى آخر
يدور النقاش في مرحلة التعميم حول المجالات و القضايا التي يمكن أن تكون موضوعا
للتأمل
4 – التطبيق
بمثابة
تتويج لأعمال للمراحل السابقة ، حيث ينتهي المكونون إلى بناء خطاطات أو مشاريع عمل
يمكن تفعيلها في المستقبل سواء في مجالات عملهم اليومي أو في حياتهم اليومية بشكل
عام . وتعتبر هذه المرحلة أيضا مناسبة لتقويم درجة استيعاب و تحقيق أهداف الورشة
عامة .
5-الإيحاءات
إذا اعتمدنا هذه
المقاربة في مناسبات تكوينية مختلفة يمكننا أن نستخلص النتائج التالية:
·
تثمين المكونين لهذه
المقاربة، نظرا لإحساسهم بأهمية دورهم في بناء المعارف و التخطيط .
·
تقدير الذات و إعادة
الثقة في النفس .
·
تجاوز الملل الذي قد
تحدثه بعض المقاربات التكوينية خاصة تلك التي تمركز التكوين على المكون .
· تعميق العلاقات الاجتماعية فيما بين المكونين .
·
ترسيخ و تكريس سلوكا
أساسية: مثل الإنصات ، احترام الرأي الآخر ، تدبير الاختلافات بكيفية مرنة ...الخ
·
القدرة على احترام
وتوظيف الزمن المحدد للأنشطة و بلوغ الأهداف المسطرة في وقتها .
·
تبادل التغذية
الراجعة بين المكون والمكونين و توظيفها بكيفية إيجابية من أجل تطوير العمل .
·
شعور المكونين بقيمة
العمل التعاوني و الجماعي في تحقيق الأهداف ... الخ
·
اشتراك المكونين في
تقويم العمل ، والتحلي بالموضوعية في ذلك ... الخ
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire