عدم توازن الجمعيات |
كثر الحديث
بالمغرب في العقد الثاني من الألفية الثالثة حول أدوار جمعيات المجتمع المدني في مجموع
ميادين الحياة العامة (تنموية، حقوقية، سياسية، ثقافية)، حتى أصبح الكل يراهن على
العمل الجمعوي و يحمله ما لا طاقة له به. و لعل هذا الرهان ناتج عن مجموعة من
العوامل نذكر منها على الخصوص:
-
تراجع دور الهيئات السياسية و النقابية من
حيث التأطير و المبادرة؛
-
التدخل القوي للدولة بمجموع أجهزتها في توجيه
دفة قيادة الجمعيات؛
-
كثرة التجارب و المبادرات الجمعوية المغربية،
و استلهامها (بالتقليد الحرفي) لمقاربات عديدة و متنوعة أنتجتها جمعيات و منظمات
مختلفة التصورات و الأهداف؛
-
وفرة العروض المالية المستقطبة للجمعيات و
تعدد مصادرها؛
-
الازدحام و التدافع القوي للتيارات الجمعوية
المغربية في تعاملها مع الشأن المحلي؛
-
غياب الأطر المرجعية و التصورات الواضحة لدى
الجمعيات.
أمام هذا الزخم من المبادرات و
الاتجاهات، نجدنا أمام فسيفساء من الجمعيات، لا يمكن بتاتا وضعها في سلة واحدة. و
هذا طبيعي جدا. من هذا المنطلق كثرت محاولات تحليل و
تصنيف هذه الجمعيات.
و من وجهة نظري، التي حاولت من خلالها تصنيف الجمعيات من حيث مستويات
التأثير، فقد خلصت لانقسام الجمعيات إلى قسمين:
1- جمعيات ثقيلة: و تتمتع بوزن قوي وطنيا، و بالخصوص في محور الرباط و
الدار البيضاء. و قوتها ترجع أساسا لقوة الأعضاء المكونين لها و علاقاتهم القوية و
المتينة مع منظمات و هيآت دولية حكومية و غير حكومية. و توفرها كذلك على نخبة
إدارية متمرسة من الفاعلين الاجتماعيين و الكفاءات الشابة، تشتغل بشكل دائم على
أجرأة تصورات و توجهات و أفكار الأعضاء الأساسيين باعتماد أدوات المقاربات
المتداولة حديثا. و بالتالي، فإنها تتمكن من تعبئة موارد مالية مهمة تضخها صناديق
مختلفة، و تتمكن في ذات الآن من الاشتغال مع جمعيات محلية محدودة الموارد، مكونة
بالتالي شبكات توظفها للتأثير على السياسات العمومية. و بعيدا على كل مزايدة
سياسية، أقول بأن هذه الاستراتيجية متبعة من طرف العديد من الجمعيات
"الثقيلة" مهما كانت مرجعياتها و قناعاتها بل و امتداداتها السياسية.
2- جمعيات خفيفة: من حيث كفاءات أعضائها، أو من حيث علاقاتها مع مراكز
القرار أو التمويل، و من حيث ميزانياتها، و مساهماتها في النقاش العمومي. بالطبع
فتأثيرها على السياسات العمومية (في أدنى مستوياتها) محدود جدا إن لم نقل منعدم.
فتصنيف الجمعيات باعتماد هذا المقياس يبين
لنا أننا أمام وضع غير متكافئ، و بالتالي فمشاركة الجمعيات جميعها في اقتراح و تتبع
و تنفيذ و تقييم البرامج و السياسات العمومية، تبقى فكرة محمودة لكنها لازالت غير
ممكنة في الوقت الحالي.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire